c.ronaldo مشرف عام
الابراج :
عدد المساهمات : 411 نقاط : 1129 تاريخ التسجيل : 09/05/2009 العمر : 28 الموقع : بيت صفافا
| موضوع: اللقيط ابن أمه 2009-06-23, 19:40 | |
| صهيب شاب أشقر اللون ، ضعيف البنية ، سليط اللسان ، عنيد متهور ، نشأ وسط أسرته معززا مدللا . تسللت فجأة يد المنية لوالده وهو في ريعان حياته . الأب لم يتجاوز عتبة العقد الرابع من عمره . بعد الوفاة الشبيهة بالصاعقة ، استتب الأمر للفتى الغض الطري ، واستبد بتسيير شؤون البيت . حرم أهله وأخته فاطمة بالخصوص من حرية التصرف وحق الاختيار وإمكان العيش الرغيد . ساقه البذخ والترف إلى حياة اللهو والمجون ، فاتخذ بطانة سوء ، وهام على وجهه وراء نزواته . توقعت فاطمة ضياع تركة والدها . وبسبب إلحاحها على انتزاع حقوقها في البيت وفي الحياة هددها مرارا وخيرها بين القتل أو الطرد أو الإذعان . أمه تراقب تصرفه بانزعاج ، وتتحسر على ما آلت إليه أوضاعه ، وانجرفت نحوه طباعه . لم تعد تستأمنه على نفسها ، كما تخشى منه على ابنتها وكل أهلها . تآمر يوما مع بعض خلانه على اختلاس متاع حصين . أنجز السطو خارج سياجه ، على قرية آمنة مستقرة ، فاعترض سبيله أهلها ، وأصابوه إصابات بليغة برأسه ووجهه وكل أطرافه . حمل بسببها إلى المستشفى فاقد الوعي ، غير قادر على الحركة ، دماؤه تنزف من أنفه ورأسه وركبتيه . من قسم الإنعاش خرج الطبيب المعالج يخبر من تحلق حوله من أهله ، بأن الفتى يعاني من كسور في عظام رأسه ، ونزيف داخلي في دماغه . وأنه في حالة حرجة . ولا زال في وضع الإغماء المستمر . ولا يمكن الآن رؤيته إلا من وراء الجدار الزجاجي . وفي اليوم الثاني أكد الطبيب أن الجريح لا زال فاقدا لوعيه . فقاطعته الأم مستفسرة : - هل سيكون مضطرا لإجراء عملية جراحية ؟ - لن نبت في نوع العلاج حتى يسترجع وعيه . وأعتقد أن العملية الجراحية ضرورية بالنسبة لأحواله . - وهل سيطول مكثه بهذا القسم ؟ ومتى ستسمح لنا بزيارته ؟ - لن يغادر القسم حتى يتجاوز حالة الخطر ، قد تمكنا من إيقاف النزيف ، وابتداء من اليوم ،لا بد أن يمكث أحد أقاربه إلى جانبه تحسبا لوقت استرجاع وعيه . اعتاد أهله التجمع بالقرب من سريره نهارا . ينتظرون لحظة خروج روحه . أغلبهم يئس من إمكان بقائه على قيد الحياة . أمه تلازمه ليل نهار ، تحصي أنفاسه ، وتراقب عن كثب مؤشرات الآلات الموصولة برأسه وصدره وبعض أطرافه . مطمئنة بما يحدوها من أمل ، ما دامت شاشات الأجهزة الطبية المرتبطة بجسده لم ترسم منحنيات حادة مثيرة ، وما دامت مصابيحها لم تنبض بأضواء حمراء محذرة . إنها كثيرا ما تلاحظ اضطراب المسعفات ، وسريان أجواء التعبئة بين الأطباء ، لما تنبعث من إحدى الآلات القريبة إشارات ذات لون أحمر مزعج ومهدد . طال مكث الفتى بقسم الإنعاش . بدأ القلق ينتاب نفوس جل أقاربه . في كل ليلة تتطوع إحدى القريبات بالسهر إلى جانب المريض صحبة أمه . وفي الليلة الثانية بعد العشرين ، مكثت مع الأم أختها الصغرى التي تطمئن لها كثيرا ، وتؤمنها على العديد من أسرارها . كالعادة ، أخذا مكانهما بجوار سرير المريض ، يرقبان ملامحه بحزن وحسرة ، ويرثيانه بعبرات مسترسلة ، وآهات مجلجلة في أرجاء القاعة . ويتجاذبان أطراف الحديث ، لمقاومة غلبة النوم ، وتحسس حركة عقارب الساعة المتباطئة . صمتت الأم هنيهة ، ثم التفتت إلى أختها : - إني مؤتمنة على وصية من زوجي المرحوم . ولا أدري كيفية تنفيذها . - تقصدين وصية أب ولديك صهيب وفاطمة ؟ - في الحقيقة إن صهيبا ليس ابنه . صعقت الأخت من مفاجأة الخبر. واتجهت بكل جسدها نحوها : -- هو ابن من إذن ؟ وهل هو ابنك من رجل آخر ؟ -واسترجعت بذاكرتها أنها لم تسمع باقتران أختها برجل غير زوجها الهالك ، ورسمت عدة استفهامات حول الخبر المفاجئ . -شعرت الأم بتوقعات أختها ، فقطعت عليها سلسلة تناسل الاتهامات وقالت : -- صهيب ليس ابني أنا كذلك إنه متبنى متبنى من المستشفى المركزي . إحدى المساعدات الاجتماعية هناك طلبت مني تبنيه يوم وضعت ابنتي فاطمة ، لأن أمه طرحته بإحدى القاعات وتخلت عنه بعد ولادته بيومين ، فادعيت - بتنسيق مع زوجي - أنهما توأمان ، وبقي بيننا إلى اليوم . وقد ساءني كثيرا انحرافه وسوء سلوكه ، وخاصة بعد وفاة زوجي . أفرغت أختها نفسا عميقا ، نفس الرضا على التصرف ، والارتياح للرد ، والراحة من الوساوس التي اقتحمت عليها مجال تفكيرها ، وقاطعتها قائلة : - وما هي وصية زوجك ؟ - أوصاني بضرورة مصارحة الولدين صهيب وفاطمة . و كم ألححت عليه ليجد مخرجا قانونيا يجبر به خاطر الولد ، ويواسيه ، بوصية أو بيع أو هبة ، ولكنه أبى ، وأصر على أن تصير تركته من بعده لابنته وتنتقل إليها . ثم نظرت إلى أختها نظرة استعطاف ، وهي تقول : - أرجو ألا تخبري أحدا بهذا السر . - اتركيني أتصرف بالشكل اللائق وحسب ظروف الفتى الطريح . عند زيارة الصباح الموالي استبشر الطبيب المعالج خيرا لما لاحظ على المريض مخايل الاسترجاع التدريجي لوعيه .فأعد الطبيب العدة لإجراء العملية التي استغرقت عدة ساعات وكللت بالنجاح . وقبل انتهاء مدة النقاهة ، وفي غفلة من الزائرين والعاملين بالمستشفى ، لملم المريض أغراضه . وودع الجميع همسا . وانصرف مستعينا بأحد خلانه . وخلف وراءه فوق السرير رسالة دون فيها عبارة يتيمة بخط عريض : " اللقيط ابن أمه غادر ولن يعود " | |
|